![]() |
صورة تعبيرية |
في إحدى قرى الصعيد في مصر، وُلد عبد الرحمن منير عام 1980 لأسرة فقيرة تعمل في الزراعة. كان الابن الأكبر بين خمسة إخوة، ومنذ صغره كان يحلم بأن يصبح طبيبًا ليعالج أهل قريته الذين كانوا يعانون من نقص الرعاية الصحية. لكن الحياة لم تكن لتسهل عليه هذا الحلم.
البداية الصعبة
عندما كان عبد الرحمن في الثانية عشرة من عمره، أصيب والده بمرض في الكبد أقعده عن العمل. أصبح على الفتى الصغير أن يترك المدرسة مؤقتًا ليعمل في الحقول ويساعد في إعالة أسرته. كان يستيقظ قبل الفجر ليروي الأرض، ثم يعود ليلاً ليذاكر تحت ضوء مصباح كيروسين باهت. في تلك السنوات، كان يقول لنفسه: "إذا لم أتعلم، ستبقى قريتنا تعاني".
بعد ثلاث سنوات، تحسنت حالة والده قليلاً، فعاد عبد الرحمن إلى المدرسة. كان متأخرًا عن أقرانه، لكنه عوّض ذلك بعزيمة حديدية. في الصف الثانوي، تفوق في العلوم وحصل على منحة دراسية للالتحاق بكلية الطب في القاهرة. كانت تلك لحظة الانتصار الأولى في حياته.
التحدي في المدينة
وصل عبد الرحمن إلى القاهرة عام 1998، لكنه واجه واقعًا مختلفًا تمامًا. المدينة كانت صاخبة ومكلفة، والمنحة لم تكن كافية لتغطية نفقاته. عمل في الليل كعامل نظافة في مستشفى صغير، وفي النهار كان يحضر محاضراته. كثيرًا ما كان ينام ساعتين فقط في اليوم، لكنه لم يشتكِ أبدًا. كان يرى في كل مريض يقابله في المستشفى دافعًا للمضي قدمًا.
في إحدى الليالي، بينما كان ينظف أرضية المستشفى، سمع صوت بكاء طفلة صغيرة في غرفة الطوارئ. اقترب ليجد أمًا تبكي بجانب ابنتها المريضة التي تحتاج عملية جراحية لم تستطع الأسرة تحمل تكلفتها. لم يملك عبد الرحمن مالًا ليساعدها، لكنه تذكر تلك اللحظة وقرر أن يجعل مساعدة المحتاجين هدفًا لحياته.
النجاح والأزمة
بعد سبع سنوات من الكفاح، تخرج عبد الرحمن من كلية الطب عام 2005 بتفوق. عاد إلى قريته ليعمل في مستوصف صغير، رافضًا عروض عمل في المدن الكبرى. بدأ بتقديم العلاج المجاني للفقراء، وكان يقضي ساعات في زيارة المرضى في بيوتهم. أصبح بطلًا في عيون أهل القرية، لكن القدر كان يخبئ له اختبارًا جديدًا.
في عام 2010، أثناء عودته من زيارة مريض في قرية مجاورة، تعرض لحادث سيارة أدى إلى إصابته بشلل في ساقيه. في لحظات اليأس الأولى، ظن أن حلمه انتهى. بقي في الفراش أشهرًا، ينظر إلى السقف ويتساءل: "لماذا أنا؟" لكن دعم أسرته وأهل القرية أعاده إلى الحياة. قال له والده ذات يوم: "الطب ليس في ساقيك، بل في قلبك وعقلك".
العودة والإرث
بمساعدة أصدقائه، حصل عبد الرحمن على كرسي متحرك وبدأ يعمل مجددًا. أسس عيادة متنقلة بسيطة، يتنقل بها بين القرى لعلاج من لا يستطيعون الوصول إليه. لم يكتفِ بذلك، بل بدأ بتدريب شباب القرية على الإسعافات الأولية، ليضمن استمرارية العمل حتى في غيابه.
حتى اليوم لا يزال عبد الرحمن، الذي تجاوز الأربعين الآن، يعيش في قريته. لم يتزوج، لأنه يقول إن "مرضاه هم عائلتي". يتذكر دائمًا تلك الطفلة التي بكت في المستشفى قبل عقود، ويقول: "كل مريض أعالجه هو انتصار لها ولأمثالها".
إرسال تعليق
نشكرك علي مشاهدة الموضوع الرجاء ضع لنا تعليق للتحفيز علشان نستمر في نشر المزيد